القضاء في الإسلام وأثر تطبيق المملكة له في حفظ الحقوق ومكافحة الجريمة إعدادمعالي الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

عضو هيئة كبار العلماء وعضو محكمة التمييز بمكة المكرمة.

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

          لا شك أن للقضاء أهميته في حضارة الشعوب وتقدمها ، وأصالة حياتها ، وحسن جورها ، وطيب تعايشها الاجتماعي ، وهو معيار ذلك ، والدليل على اعتباره ، ذلك أن القضاء ميزان الادعاء ونبراس العدل وملاذ المظلوم ، والسد المانع لأنواع المظالم والغصوب والتعديات ، وبقدر ما يكون للقضاء من هيبة وسلطة ونفاذ في أي مجتمع ، فإن لذلك المجتمع نصيبه الموازي لذلك القدر من السعادة والرخاء ، وتوافر مسالك الحياة الأفضل لكافة أفراده ، كما أن له نصيبه من الاحترام والتقدير والثقة والاطمئنان إلى التعامل معه من المجتمعات الأخرى .

          ونظراً إلى أن بني الإنسان خلقُ الله خلقهم لحكمة أرادها ، ونفى الفوارق بينهم في الخلق إلا بالتقوى والعمل الصالح ، فمن كان ذا تقى وصلاح ونفع لعباده كان أفضل من غيره ممن كان دون ذلك . وحيث أن الإنسان مجبول على الظلم والجهل والطمع والأنانية ، فقد أرسل الله رسله ليبينوا للناس حكمة وجودهم ، وضرورة رعايتهم حقوق بني جنسهم من عقيدة ونفس وعقل ومال وعرض وغير ذلك ، مما يعود على هذه الحقوق الأساسية بالرعاية والعناية والبقاء . وجعل رسله قضاة بين الناس ليحكموا بالعدل ، وأن يكون في أحكامهم من أسباب الاقتداء والاهتداء والعدل في القضاء ما يكون طريقاً قويماً لمن يأتي بعدهم من القضاة ، قال الله تعالى : ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) ، وقال تعالى : ( وإن احكم بينهم بما أنزل الله ) والإسلام هو خلاصة الأديان السماوية ، وعنده الكلمة الفصل فيما اختلف فيه أهل الكتاب في الأصول والفروع ، له عنايته الفائقة بالقضاء ، وبضرورة إعطائه السلطة العليا إحقاق الحق وإزهاق الباطل ، ورد المظالم ، وفق الخصومات ، والقضاء على التنازع .