الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
لا شك أن للقضاء أهميته في حضارة الشعوب وتقدمها ، وأصالة حياتها ، وحسن جورها ، وطيب تعايشها الاجتماعي ، وهو معيار ذلك ، والدليل على اعتباره ، ذلك أن القضاء ميزان الادعاء ونبراس العدل وملاذ المظلوم ، والسد المانع لأنواع المظالم والغصوب والتعديات ، وبقدر ما يكون للقضاء من هيبة وسلطة ونفاذ في أي مجتمع ، فإن لذلك المجتمع نصيبه الموازي لذلك القدر من السعادة والرخاء ، وتوافر مسالك الحياة الأفضل لكافة أفراده ، كما أن له نصيبه من الاحترام والتقدير والثقة والاطمئنان إلى التعامل معه من المجتمعات الأخرى .
ونظراً إلى أن بني الإنسان خلقُ الله خلقهم لحكمة أرادها ، ونفى الفوارق بينهم في الخلق إلا بالتقوى والعمل الصالح ، فمن كان ذا تقى وصلاح ونفع لعباده كان أفضل من غيره ممن كان دون ذلك . وحيث أن الإنسان مجبول على الظلم والجهل والطمع والأنانية ، فقد أرسل الله رسله ليبينوا للناس حكمة وجودهم ، وضرورة رعايتهم حقوق بني جنسهم من عقيدة ونفس وعقل ومال وعرض وغير ذلك ، مما يعود على هذه الحقوق الأساسية بالرعاية والعناية والبقاء . وجعل رسله قضاة بين الناس ليحكموا بالعدل ، وأن يكون في أحكامهم من أسباب الاقتداء والاهتداء والعدل في القضاء ما يكون طريقاً قويماً لمن يأتي بعدهم من القضاة ، قال الله تعالى : ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) ، وقال تعالى : ( وإن احكم بينهم بما أنزل الله ) والإسلام هو خلاصة الأديان السماوية ، وعنده الكلمة الفصل فيما اختلف فيه أهل الكتاب في الأصول والفروع ، له عنايته الفائقة بالقضاء ، وبضرورة إعطائه السلطة العليا إحقاق الحق وإزهاق الباطل ، ورد المظالم ، وفق الخصومات ، والقضاء على التنازع .