تضمين الطبيب في ضوء الشريعة الإسلامية // بقلم فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن علي بن محمد المشيقح

الأستاذ المشارك بقسم الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم

المقدمة

          الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :

          فإن لجسد المسلم وروحه حرمة عظيمة عند الله تبارك وتعالى ، دلت آيات الكتاب العزيز وأحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عليها ، فجاءت الأدلة آمرة بحفظ بدن المسلم وروحه ، ومرغبة في ذلك ومحذرة من الاستخفاف بها ، وتوعدت من سعي هلاك الأرواح والأجساد بغير حق بشديد العذاب وأليمه، قال تعالى : (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) ، قال تعالى : (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين" .

          وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة" .

          ولما كانت الحاجة قائمة إلى التداوي والعلاج بالجراحة وغيرها ، أذنت الشريعة الإسلامية للمريض ، وأهل الاختصاص من الأطباء ومساعديهم علاج المريض ، والإقدام على فعل الجراحة الطبية اللازمة ، والتي تشتمل في كثير من صورها على تصرفات مختلفة في أعضاء الإنسان ومنافعه ، لكن الشريعة الإسلامية جعلت ذلك مقيداً بقواعد وضوابط على الطبيب أن يلتزم بها ، وإلا كان مسؤولاً عما يحدث تحت يده من تلف للنفس ، أو العضو ، أو المنفعة . ذلك أن الأطباء ومساعديهم بشر يعتريهم ما يعتري النفس البشرية الضعيفة ، فقد يخرجون في بعض الأحيان عن القيود الشرعية ، بتعدٍ أو تفريط ، ويتجاوزونها معرضين أرواح الناس وأجسادهم للهلاك والتلف .