الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد دراسة تأصيلية وتطبيقية // أ.د. صالح بن سليمان بن محمد اليوسف

الأستاذ في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة القصيم .

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) .
أما بعد :
فإن مما تمتاز به الشريعة الإسلامية ، إنها جاءت مؤصلة مبنية على قواعد متينة ، تكفل الخلود والمسايرة لجميع الأزمنة والأمكنة على مختلف الأجناس .
وقاعدة ( الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ) من القواعد المشتركة بين علمي أصول الفقه والقواعد الفقهية . فهي أصولية باعتبار أن مباحثها في الاجتهاد ، وفقهية باعتبار أن موضوعها فعل المكلف ، وهو القاضي ، إذ الفقهاء يبحثون في كتاب القضاء حكم نقض اجتهاد القاضي .
ثم اعلم أن القواعد الفقهية يختلف بعضها عن بعض من حيث السعة والشمول ، فمنها ما هو شامل لجميع أبواب الفقه كالقواعد الخمس . ومنها ما هو دون ذلك ، كسائر القواعد الفقهية ، وإن كان لبعضها صفة الشمول والشبه بالقواعد الخمس في مجال التطبيق والثبوت .
ومنها ما هو خاص في باب من أبواب الفقه ، أو نوع من أنواع الناس . والقاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها ، لها صفتان : صفة الشمول ، وصفة الخصوص . أما الشمول فيرجع إلى شمولية الاجتهاد لأبواب العلم ، فكل مسألة يسوغ فيها الاجتهاد ، فلها علاقة بهذه القاعدة .
وأما الخصوص فهي خاصة بالعلماء المجتهدين دون غيرهم ، كالقضاة والمفتين ومن في حكمهم ، فهم الذين يقال عن اجتهاداتهم : إنها لا تنقض بالاجتهاد .
إذا عرفت هذا : فهذه القاعدة مهمة في باب القضاء والحكم ، فهي تتعلق بالتيسير والتسهيل على القضاة ، ورفع الحرج عنهم في أثناء مهماتهم القضائية .
فإذا اجتهد القاضي في بيان الحكم الشرعي ، وقام بتطبيقه والإلزام به ، ثم تغير اجتهاده بعد ذلك ، وتوصل إلى حكم آخر غير الذي تم تنفيذه ، فهل يلزم القاضي نقض الحكم السابق والإلزام بالثاني ؟
وكذلك الحال إذا ورده مسألة تم القضاء بها من قاض آخر ، وقضى هو بخلافه ، فهل يبطل ما قضى به الآخر ، أو يستأنف المسألة في الحالتين من جديد أولاً ؟
هذا مـا سنتحدث عنه في هذه القاعدة على وجه مفصل تناسب مع المقام – بمشيئة الله تعالى - .