القول المختار في رفع الضرر عن المرأة في الإيلاء والظهار // د . محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله السديس .

عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة قسم الفقه - جامعة القصيم .

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

            (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنُتم مُسلمُون).

            (يا أيها الناسُ اتقُوا ربكُمُ الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهُما رجالاً كثيراً ونساءً واتقُوا الله الذي تساءلُون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً).

            يا أيها الذي آمنوا اتقُوا الله وقُولُوا قولاً سديداً [70] يُصلح لكُم أعمالكم ويغفر لكُم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسولهُ فقد فاز فوزاً عظيماً)

 

أما بعد :

            فلقد أكرم الإسلام المرأة إيّما إكرام وحفظ لها الحقوق ورفع عنها الضرر في حياتها الزوجية مما كان يفعله أهل الجاهلية في الإيلاء والظهار ، كما جاء في حال تلك المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها لما حرمها على نفسه بعد زمن طالت فيه الصحبة بينهما كما قال سبحانه في سورة المجادلة : (قد سمع اللهُ قول التي تُجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله واللهُ يسمعُ تحاوُركما إن الله سميعٌ بصيرٌ) الآية الأولى من السورة .

            ومن ذلك أيضاً ما كان يفعله أهل الجاهلية من الضرر بالمرأة ، فإذا طلب الرجل من امرأته شيئاً فأبت عليه حلف ألا يقربها مدة من الزمن كما في قوله تعالى : (للذين يُولُون من نسائهم) .

            والمراد من الآية اليمين على ترك وطء المرأة ، ومعنى (يُولون) يحلفون ، وقرأ أبيّ وابن عباس "للذين يقسمون" ومعلوم أن (يقسمون) تفسير لـ (يُولون) .

            وقد أمر الشرع الحكيم بحفظ اللسان من هذه الآفات وغيرها ، وهذا من محاسن شريعتنا الغراء التي راعت حقوق المرآة قولاً وفعلاً ، وجاءت الآيات في كتاب الله تتلى حفظاً لهذه الحقوق إلى أن تقوم الساعة .

            وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم قوله عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة : "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب" .

            قال النووي في شرحه على صحيح مسلم : "في هذا الحديث حث على حفظ اللسان ، فينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبر في نفسه قبل نطقه ، فإن ظهرت مصلحته وإلا أمسك" .

            وهذا نهج المسلم مع أهله وزوجه ، والمتأمل لأحوال الناس يجد بعضهم يتكلم بهذه الألفاظ وهو لا يعرف ما يترتب عليها من الأحكام .

            فأحببت الكتابة حول هذا الموضوع وبيان محاسن الشريعة في حفظ مكانة المرأة إجمالاً ، وأسميته : "القول المختار في رفع الضرر عن المرأة في الإيلاء والظهار" ، وسلكت في المنهج المتبع في ذكر المسائل فيهما ، مع بيان محل الاتفاق والخلاف بينهما وتوثيق المذاهب الفقهية الأربعة وترتيبها حسب الترتيب الزمني لها وذكر الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة مع بيان وجه الدلالة ما أمكن وبيان الراجح في المسائل وسبب الترجيح بقدر المستطاع ، وعزو الآيات ، وتخريج الأحاديث ، وجعل فهارس متنوعة في آخر البحث .