إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم القيامة وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فإن النظرة في آية القرآن والتأمل فيها وتدبرها ينتج عنه العلم بتفسيرها وفوائدها وأسرارها .
وقد نظرت في قوله ـ تعالى ـ : (ولَكُم في القصاص حياةٌ يا أُولي الألباب لعلكم تتقُون) [البقرة:179] .
تلك الآية التي كنا نسمعها منذ كنا صغاراً ـ عند تنفيذ أحكام القصاص في هذا البلاد ـ وهي تحتاج إلى أن نقف معها وقفات ونتأمل ما فيها من المعاني العظيمة والأسرار البليغة .
فرأيت أن أفردها ببحث تحت عنوان "مباحث في قوله ـ تعالى ـ :( ولكم في القصاص حياةٌ يا أُولي الألباب لعلكم تتقون) .
وذلك أن الأمن مطلب فطري شرعي بشري ، كل يسعى إليه . فنجد الحكومات والمنظمات تضع الأنظمة تلو الأنظمة لحفظ الأمن ، وما تلبث أن تغيرها . أما شرع الله فإنه لا يتغير ولا يتبدل . وصدق الله العظيم القائل : (أفحُكم الجاهلية يبغُون ومن أحسنُ من الله حُكماً لقومٍ يُوقنُون) [المائدة:50] .
وسواء أكانت هذه الجاهلية هي الجاهلية الأولى أم الجاهلية المعاصرة . وإذا كان الأمن هو مفتاح تقدم الأمم والحضارات ، وسبب التنمية والسعادة فكيف يفرط فيه عاقل ويبحث عنه في غير مظانه ، فإنه إن فعل ذلك انهدم البناء وانتشر الخوف وعمت الفوضى وكثرت .
والشريعة الإسلامية جاءت بعقوبات تناسب الجرائم وتقطع دابرها ، وحد القصاص يستهدف تحقيق المصلحة العامة والخاصة ، وإقامة العدالة بين أفراد المجتمع ، وحقن الدماء ليعم الأمن ويقل الخوف . وإن ابتعاد كثير من حكومات الدول الإسلامية عن تطبيق حد القصاص أدى إلى انتشار القتل والخوف في مجتمعاتها .
أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه نافعاً لعباده ، وأن يجد فيه القارئ ما ينفعه . والإنسان معرض للخطأ والصواب ، فما كان في صواب فمن الله وحده ، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .