قلب الدين والأحكام الفقهية المتعلقة به في الفقه الإسلامي // أ . د . نزيه كمال حداد

أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة (( سابقاً )) المستشار للعديد من المؤسسات المالية الإسلامية (( حالياً )) .

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

           

مفهوم قلب الدين

 

            هذا مصطلح فقهي ورد ذكره في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ، ثم حكاه بعض متأخري الحنابلة مع الأحكام الشرعية المتعلقة به عن ابن تيمية ، ولم يعرف استعماله بهذه التسمية على لسان أحد من الفقهاء قبل ذلك أو بعده . غير أن لفقهاء المالكية مصطلحاً لآخر قريباً منه في الدلالة والمفهوم ، عرف في مصنفاتهم ، واشتهر في مذهبهم باسم "فسخ الدين في الدين" .

            وبعد التأمل والنظر في المدلول الفقهي لهذين المصطلحين ظهر لي أنه يتناول في الجملة خمس صور :

 

الصورة الأولى : تأخير الدين الذي حلّ أجله عن المدين بزيادة عن الحق مقابل الأجل الجديد الذي منحه الدائن له.

            وهذه الصورة هي نفس ربا الجاهلية "ربا النسيئة" : أن يقول الدائن لمدينه عند حلول الأجل : تقضي أم تربي ؟ فإن لم يقضه أخّر عنه الدين مقابل زيادة في المال . وهو محظور شرعاً بإجماع الفقهاء .

            وعلى ذلك جاء في "الطرق الحكيمة" لابن القيم : "ومتى استحل المرابي قلب الدين ، وقال للمدين : إما أن تقضي ، وإما أن تزيد في الدين والمدة ، فهو كافر ، يجب أن يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل ، وأخذ ماله فيئاً لبيت المال" .

            وقال الخرشي : "فسخ الدين في الدين : هو أن يفسخ ما في ذمة مدينه في أكثر من جنسه إلى أجل ، كعشرة في خمسة عشر مؤخرة ، أو يفسخ ما في ذمته في غير جنسه إلى أجل ، أو في عرض مؤخر" .

            وجاء في "كفاية الطالب الرباني" تعليقاً على نص الرسالة لابن زيد القيرواني "ولا يجوز فسخ الدين في دين" : وإن كان الفسخ إلى أبعد من الأجل ، فلا يجوز اتفاقاً ؛ لوجود الرِّبا المتفق على تحريمه ، وهو ربا الجاهلية ، إما أن يقضي له ، وإما أن يربي ، لأن الزيادة في الأجل تقتضي الزيادة في مقدار الدين" .