الحمد لله الذي حكم فقدر ، وشرع فيسر ، أحمده حمد الذاكرين الأبرار المستغفرين بالأسحار ، وأصلي وأسلم على من بعثه ربه رحمة للعالمين وهداية للأولين والآخرين ، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين ، ثم أما بعد :
فإن شريعتنا الغراء أتت صالحة لكل زمان ومكان فبينت قواعد هذا الدين في العبادات والمعاملات وجميع جوانب هذه الحياة ، حتى يعيش المسلم على بصيرة من الأمر يتعبها ، قال جل وعلا : (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (1) ، فالشرع المطهر لا يأمر إلا بما هو خير لا يحذر وينهى إلا عن شر وبلاء ، فأحل الله البيع لتستقيم حياة الناس ، وليأنس بعضهم ببعض وليقضوا حوائجهم فيما بينهم بالمعاوضات والمبادلات المالية ، وحرم كل حيلة ووسيلة لأخذ المال بغير حق : (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (2) وجعل المال من الضروريات الخمس في هذه الحياة ، قال تعالى : (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) (3) فأتى على أمور الجاهلية فأثبت ما كان منها حقاً وأبطل ما كان منها باطلاً ، ولا شك أن أكثر أمور الجاهلية كانت باطلة ، إذ كانوا يأكلون أموال الناس بالباطل ويأكل القوي منهم مال الضعيف ، ومعظم معاملاتهم كانت ربوية وبيوعاً محرمة وحيلاً وخداعاً مبناها الغرر والضرر على الفرد والمجتمع ، تلك التي تورث العداوة والبغضاء بين الناس، ومن تلك المعاملات المقيتة بيع النجش الذي مبناه الخداع والخيانة ، واستثارة المشتري أو البائع وقت المساومة ، ولهذا نهى الشرع عنه وجعله كبيرة من كبائر الذنوب ، من أجل ذلك جمعت العزم على البحث فيه وبيان أحكامه ، وقد جعلته موسوماً بـ"النجش صوره وأحكامه" ، وقد اخترته للأسباب التالية :
أولاً : كان الباعث على اختياره إيضاح النجش بقدر ما أستطيع من حيث الإثم المترتب عليه وأثره على عقد البيع .
ثانياً : ما يفعله كثير من ضعفاء النفوس الذين لا يرعوون في التعامل به في كثير من معاملاتهم .
ثالثاً : خطر هذا الفعل ، فهو يورث العداوة والبغضاء بين المتبايعين حينما يعلم المشتري أو البائع أنه دلس عليه وأنه خُدع في البيع .
رابعاً : أردت أن أجمع ما قاله الفقهاء في بيع النجش فقهاً مقارناً ولا سيما أن هذا البحث من نتاج قضية كانت منظورة لدي قضاءً .
خامساً : حاولت جاهداً مستعينا ً بالله تعالى أن أبين جانباً من جوانب الشريعة في المعاملات وهي تبين ما يحل وما يحرم من هذه المعاملة .
سادساً : من أهم البواعث في اختيار هذا الموضوع تبيين صور النجش المتعددة التي ذكرها بعض العلماء والتي يجهلها كثير من الناس .
وقد جعلت بحثي هذا في مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث ، فجعلت التمهيد يشمل تعريف النجش والحكم لغة واصطلاحا في مطلبين :
المطلب الأول : تعريف النجش لغة واصطلاحاً .
المطلب الثاني : تعريف الحكم لغة واصطلاحا.
أما المبحث الأول : ففي صور النجش وأحوال الناجش وفيه مطلبان :
المطلب الأول : صور النجش .
المطلب الثاني : أحوال الناجش .
وأما المبحث الثاني : ففي حكم النجش وتعزير الناجش وفيه مطلبان :
المطلب الأول : حكم النجش .
المطلب الثاني : تعزير الناجش .
وأما المبحث الثالث : ففي أثر النجش في البيع ، وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : بيع النجش وأثره في العقد .
المطلب الثاني : مسقطات الخيار في بيع النجش .
المطلب الثالث : ضمان الناجش .