نحمدك اللهم حمداً يوافي نعمك ، ويكافئ مزيدك ، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائك ، وصفوة خلقك ، سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وأصحابه الهداة الراشدين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم إنا نبرأ إليك من الحول والطول ، ونسألك التوفيق لما ترضاه من العمل والقول ، ونعوذ بك أن نتكلف فلا نحسن ، أو نقول فلا نعلم ، أو نماري في الحق أو نجادل عن الباطل ، أو نتخذ العلم صناعة ، أو الدين بضاعة (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا) ، (ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .
لقد عني الوحي الكريم بالقضاء ، باعتباره دعامة كبرى من دعائم الحق والعدل ، ومن ثم فقد تولاه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسة ، ونصب القضاة في الأقاليم التي دخلت تحت لواء الإسلام ، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (الواجب اتخاذ ولاية القضاء ديناً وقربة ، فإنها من أفضل القربات) . وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ (لابد للناس من حاكم ، أتذهب حقوق الناس) .
لقد أفاضت كتب الفقه والقضاء في بيان طريق الوصول إلى الحق والعدل ودفع الظلم عن الناس ، بداية من تنصيب القاضي أو الحاكم وما يتصف به من صفات ، وما يتخذه من أعوان إلى البينات التي يتعرف بها على المحق من المبطل ، ويستند إليها في حكمه .
إلا أن البينات التي يقدمها المدعي أمام القاضي ليثبت بها دعواه منها ما هو متفق عليه ، ومنها ما هو مختلف فيه .
فمن البينات المتفق عليها : الإقرار ، والشهادة ، واليمين ، والقسامة ، والكتابة ، ومن البينات المختلف فيها ، القرائن ، والنكول ، والقيافة ، والفراسة ، والقرعة ، والعرف ، والعادة وغيرها ، وكذلك قضاء القاضي استناداً إلى علمه ، وهو محل بحثنا بمشيئة الله تعالى .