نزع الحكومة للأملاك واستحقاق المستأجر فيها // الشيخ محمد الصالح العثيمين ( يرحمه الله )

عضو هيئة كبار العلماء وعضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالقصيم

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصبحه أجمعين ، وبعد :

          فقد كثر في هذه الأوقات نزع الحكومة ، وفقها الله تعالى ـ لبعض الأملاك من الدور ونحوها بالقيمة للمصالح العامة لتوسعة الأسواق أو إحداث أسواق جديدة أو مواقف أو متجرات أو غيرها من مصالح البلدان والسكان وربما كانت هذه الاملاك المنزوعة مستأجرة فيحصل النزاع بين المالك والمستأجر فيما استلمه المالك من القيمة ، حيث كانت بدلاً عن العين التي هي للمالك والمنفعة التي هي للمستأجر .

          وحل هذه النزاع أن يقال لا تخلو المسألة من حالين :

          الحال الأولى : أن يكون المالك قد اشترط على المستأجر أنه متى نزعتها الحكومة فهو فسخ الإجارة ففي هذه الحال تنفسخ الإجار إذا نزعتها الحكومة ويسقط من الأجرة بقسط ما بقي من المدة لقول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة:1] وقوله : (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً) [الإسراء:34] ووفاء العقد يكون وفاء بأصله ووصفه ، وتعليق فسخ الإجارة بنزع الملك صحيح لأنه لا يتضمن محذوراً شرعياً ، حيث إن المستأجر لن يضيع حقه بانفساخ الأجرة لسقوط ما بقي منها بالقسط وليس ذلك من باب الميسر الذي يكون فيه العاقد إما غانماً وإما غارماً، وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في الأحكام التي تضمنتها غزوة هوزان (ص 456 ج2ط السنة المحمدية) أن في القصة دليلاً على أن المتعاقدين إذا جعلا بينهما أجلاً غير محدود فهو جائز إذا اتفقا عليه ورضيا به وأن أحمد نص عليه في جواز الخيار مدة غير محدودة حتى يقطعاه وأن هذا هو الراجح إذ لا محذور في ذلك ولاغرر ، وكلٌ منهما قد دخل على بصيرة ورضيا بموجب العقد .أ.هـ .

          الحالة الثانية : أن لا يكون هذا الشرط فلا تنفسخ الإجارة بانتزاع الحكومة لها لأن انتزاع الحكومة لها شراء وقد نص الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ بأن الإجارة لا تنفسخ إذا بيعت العين المستأجرة وتكون الأجرة  للمشتري من حين العقد كما في (شرح المنتهى ص288-298) و(شرح الإقناع ص313ج2ط الشرفية على نفقة مقبل الذكير) ، آخر فصل الإجارة عقد لازم . وعلى هذا فإن تأخر هدم البيت ونحوه حتى انتهت مدة الإجارة فقد استوفي المستأجر منافعه ولا إشكال . وإن حصل الهدم قبل انتهاء المدة خير المستأجر بين الفسخ لفوات المنافع عليه بدون رضا منه وبين الإمضاء ويرجع بأجرة المثل فيما بقي له من المدة فإن فسخ رجع على المالك بأجرة ما بقي من المدة إن كان قد قبضها كاملة وإلا سقطت أجرة ما بقي وإن أمضى لم يرجع على الحكومة لأن الحكومة سلمت قيمة المهدوم بمنافعه .  وحينئذ يرجع المستأجر على المالك بأجرة المثل كاملة إن كان المالك قد قبض الأجرة مقدماً وإلا رجع عليه بالفرق بين أجرة المثل وأجرة العقد .