كلمة فضيلة الشيخ / عبد الله بن محمد اليحيى

وكيل وزارة العدل

الحمد لله يمُن بالفضل ، ويقضي بالحق ، ويحكم بالعدل ، إن ربي على صراط مستقيم ، أحمده سبحانه ، وأصلي وأسلم على من هُدي بإذن ربه إلى أقوم طريق ،وأعدل سبيل نبينا محمد وعلى آله وصحبه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون . . أما بعد :

          فإنه ليس بوسع أحد في زماننا اليوم أ يتجاهل مكانة الإعلام في التأثير على النفوس ، ومن ثم فإنه ليس بوسع الناس والحال هذه أن يستغنوا عن الإعلام لا سيما وقد بلغ الإعلام بوسائله المختلفة مقروءة ومرئية ومسموعة آفاق الدنيا ، وأصبح أداة تسخر لخدمة أهداف صانعيه .

          ولا يخفى أن قوام الإعلام هو مضمونه المتمثل في المعاني والأفكار والآراء والمعلومات والحقائق . والمسلمون مطالبون في هذا الزمن أكثر من غيره بالعناية بأمر الإعلام ، وتوظيف وسائله العصرية في خدمة شريعة الله وإقامة العدل ، لأن العدل قامت به السموات والأرض وتواطأت على حسنه الشرائع الإلهية والعقول الحكيمة والفطر السوية ، فكل نفس تنشرح لمظاهر العدل ما دامت بمعزل عن الهوى ، ولقد بعث الله رسله وأنزل كتبه لتحقيق العدل قال سبحانه : (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) "الحديد:25" .

          والقسط هو : العدل .

          وقال تعالى : (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) "النساء:58" .

          وبين القرآن الكريم أن العدل أحد الأوامر الإلهية أمر بها نبيه ، وأحد المقاصد الرئيسة للدعوة والرسالة ، فقال تعالى : (وأمرت لأعدل بينكم) "الشورى:15"

          قال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ ":إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل ، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه" ا.هـ ، هذا وإن الحضارات الإنسانية لا تبلغ أوج عزها ولا ترقى إلى عز مجدها إلا حين يعلو العدل تاجها وتبسطه على القريب والغريب والقوي والضعيف ، وإن العدل ليصل في الإسلام قمته في الحكم والقضاء والفصل في الخصومات ، ولهذا فالهدف الذي من أجله وجد القضاء في الإسلام ، والمقصد الذي يسعى إليه هو تحقيق العدل ، وإقامة القسط ، وحفظ الحقوق ، واستتباب الأمن ، والمحافظة على الأنفس والأموال ، ومنع الظلم ، وإقامة الحدود.

          والقضاء ركن من أركان الدولة ، وجزء من مقومات المجتمع يقع على مسئوليته حفظ النفوس ، والأرواح والأبدان والأموال والأعراض والحقوق  .

          كما يُعد القضاء عند الأمم رمزاً لسيادتها واستقلالها ، والأمة التي لا قضاء فيها لا حق فيها ، وتاريخ القضاء في كل أمة هو عنوان مجدها ، وتاريخ الإسلام في القضاء وضاء ، وقضاة المسلمين لها في هذا باع طويل .

          ولقد اهتمت هذه الدولة المباركة بأمر القضاء وأولته جل عنايتها ورعايتها منذ أن وحد الله كيانها على يد الملك المؤسس الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ غفر الله له وأجزل مثوبته ـ إلى عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين ـ وفقه الله لكل خير ـ ولا تزال ، بإذن الله راعية للقضاء حتى أصبح رمزاً لسيادتها وعنواناً لمجدها وعزها بحمد الله ومنته .

          وقد وكل إلى هذه الوزارة ـ وزارة العدل ـ الإشراف على دور القضاء ومؤسساته في هذه الدولة المباركة بموجب نظام القضاء الذي أبان المهام والمسئوليات ، وإن هذه الوزارة وهي تمر بمرحلة مهمة من تاريخها تسعى لتطوير وتحسين مستوى الأداء في أجهزتها الإدارية والمالية لنظر إلى أهمية دور الإعلام في إبراز نشاطها ، ونقل المعلومات والحقائق عن منجزاتها ، والتعريف بمهامها ، ومسئولياتها ، ونشر الوعي المعلوماتي للمراجع عن الأنظمة والتعليمات المعمول بها ، لذا فهي ترى من الضرورة ايجاد رابط إعلامي مع المختصين والمهتمين بالقضاء وغيرهم ، لهذا جاءت (مجلة العدل) في المملكة العربية السعودية لترسيخ مفهوم العدل في المجتمع ، ولتضيف الجديد من البحوث القضائية المتخصصة ، وتعمل على تحقيق الأهداف المرسومة لها .  

وإنه ليسرني مع إصدار المجلة أن أهنئ المختصين من أصحاب الفضيلة وكتاب العدل ، وعموم منسوبي الدوائر الشرعية في المملكة ، والمهتمين بنشاط الوزارة من خارجها بهذا الإصدار المبارك ـ إن شاء الله ـ رافعاً جزيل الشكر والتقدير لمعالي وزير العدل الشيخ / عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ على توجيهاته السديدة ، ومتابعته الدائمة لهذا المشروع المهم منذ كان فكرة إلى خروجه على حيز الوجود ، ومقداراً ما بذل المعنيون بهذه المجلة من جهود حثيثة لنرى ـ بحمد الله ـ باكورة هذا المشروع الجليل ، مؤملاً في تعاون المختصين والمهتمين مع أسرة تحرير المجلة في دفع مسيرتها إلى الأمام بما يخدم المصلحة العامة ـ ويحقق الخير والصلاح للعباد والبلاد .

          سدد الله الخطى ، وبارك في الجهود ، وجعل الأعمال خالصة لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصبحه وسلم .