تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية // د. علي بن راشد الدبيان

القاضي بالمحكمة الكبرى بمكة المكرمة ، والمندوب حالياً لديوان رئاسة مجلس الوزراء .

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على محمد رسول الله وآله وصحبه . . وبعد :

         يقول الإمام العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ : "صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده ، بل ما أعطي عبد عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما ، بل هما ساقا الإسلام ، وقيامه عليهما ، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليها الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذي فسدت فهومهم ، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم ، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة ، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد ، يميز به بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والهدى الضلال ، والغي والرشاد ، ويمده حسن القصد ، وتحري الحق ، وتقوى الرب في السر والعلانية ، ويقطع مادته إتباع الهوى ، وإيثار الدنيا ، وطلب محمدة الخلق ،  وترك التقوى ، ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم : أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات العلامات حتى يحيط به علما ، والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر ؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجر ، فالعلم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله.

         هكذا يصور الإمام ابن القيم رحمه الله أهمية تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع والحوادث لا سيما في مقام القضاء والحكم ، حيث لا يتمكن القاضي من الحكم بالحق ، وتجلية حكم الشريعة المطهرة في أعيان الوقائع المعروضة إلا بإدراك وتحصيل درجتين تمنحان من حازهما الحكم الصحيح وتهديانه للعدل في حكمه وقضائه .