الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله صحبه أجمعين وبعد :
فهذا بحث في مسألة مهمة ، وتعلق بإحدى الضروريات الخمس التي جاءت جميع الشرائع بحفظها وهو حفظ النسب ، وهي جزئية من جزئياتها ، وقد أحيلت إلي القضية يطلب فيها زان استلحاق ابنته من الزنى ، ونظراً لقلة من تعرض لهذه المسألة بشيء من التفصيل ، فاستعنت بالله عز وجل في جمع أقوال العلماء رحمهم الله ، وأدلتهم والمناقشة والترجيح ، سائلاً المولى التوفيق والسداد والقبول .
تحرير ولد الزنى :
إذا ولد مولود بسبب فعل فاحشة الزنى هل ينسب المولود للزاني ؟ أم ينسب لأمه ؟
لا يخلو الأمر من حالين :
الأول : أن تكون المرأة المزني بها فراشاً بأن تكون زوجة أو أمة يطؤها سيدها .
الثاني : أن تكون المرأة المزني بها ليست فراشاً فليست زوجة ولا أمة يطؤها سيدها .
أما الحال الأول : وهي أن تكون المرأة المزني بها فراشاً بأن تكون زوجة أو أمة يطؤها سيدها ، فقد جمع أهل العلم على أنه إذا ولد على فراش رجل فادعاه آخر أنه لا يلحقه .
لأدلة كثيرة منها : حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه ، قالت : فما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال : ابن أخي قد عهد إلي فيه فقام عبد من زمعة فقال : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله .
ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلاناً ابني عاهرت بأمه في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا دعوى في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر .
المعنى ووجه الدلالة : يلحق الزوج الولد لعموم قوله "الولد للفراش" لأنه لا يحتاج إلى تقدير ، وهو الولد لصاحب الفراش ، فأبن الأعرابي اللغوي نقل أن الفراش عند العرب يعبر به عن الزوج ، وعن المرأة والأكثر على المرأة ، وقد يعبر به عن حالة الافتراش ، ويمكن حل الخبر عليها فلا يتعين الحذف ، نعم لا يمكن حمل الخبر على كل واطئ ، بل المراد من له الاختصاص بالوطء كالزوج والسيد ، ومن قال ابن دقيق العيد : معنى الولد للفراش "تابع للفراش أو محكوم به للفراش أو ما يقارب هذا " .