الحمد لله الذي جعل في إقامة الحدود صيانة المجتمعات واستقرار الأمن لأهلها ، والصلاة والسلام على من بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله وأقم الحدود وأمر بإقامتها وقال : " وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيلهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين آمين . أما بعــد :
فلقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكامها التي هي عدل الله بين عباده قائمة على رعاية المصالح للعباد ، فهي مقصد عام للتشريع ، وتلك المصالح كما قرر علماء أصول الفقه لا تعدو ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون ضرورة .
والثاني : أن تكون حاجية .
والثالث : أن تكون تحسينية .
فأما الضرورية فمعناها أنه لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة ، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين .
وأما الحاجية فمعناها : أنه مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق والمؤدي إلى الحرج والمشقة الحقة بفوت المطلوب .
وأما التحسينية فمعناها : الأخذ بما يليق من محاسن العادات ، وتجنب الأحوال التي تأنفها العقول الرجحة .
وبالإستقراء على أن الأحكام الضرورية جاءت لحفظ ستة أمور هي : الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال ، فهي الضروريات الست .
وإقامة الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى أمر ضروري لاستقامة العيش في هذه الحياة الدنيا ، وبدون ذلك تعيش البشرية في فوضى واضطراب قد نعلم بداية أمره لكننا قطعاً لا نعلم نهايته ، لأن من الناس من يردعه عن ارتكاب الجرائم عقل ولا يمنعه نقل ، إنما توقفه العقوبة ، ولو تركت الجريمة بلا جزاء لانتشرت وحلت شريعة الغاب ، حتى يصير الحكم للقوة والقهر ، فشرعت الزواجر سداً لباب الجريمة وحسماً لمادة الفساد ، فالحمد لله حمداً يليق بجلال وجه وعظيم سلطانه على أن من علينا بشريعة هي أتم الشرائع وأكملها قال الله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) .
وجريمة الحرابة من أفظع الجرائم وأكثرها ضرراً بالناس لاستهانة فاعلها بالحرمات في تقطع السبل ، وتزعزع أمن الدولة وتعصف بهيبة حاكمها وتبدل الأمن في قلوب الناس خوفاً ، وتعطل به عبادات وتفوت مصالح ، ولذلك كانت العقوبة عليها في شريعة الإسلام من أشد العقوبات .
فأحببت أن أشارك بهذا البحث في مجلة العدل الفتية ، شاكراً جهد القائمين عليها وفي مقدمته معالي وزير العدل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ متمنياً استمرار صدروها بهذا المستوى والله ولي التوفيق .