الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فإن من المسائل المتقررة عند أهل العلم أنها من موانع الإرث مسألة قبل الوارث لمورثه ، وإليها أشار صاحب الرحيبة في منظومته بقوله :
ويمنع الشخص من الميراث واحـدة مـن عـــلل ثـلاث
رق وقتـل واختلاف ديـــــن فافهم فليس الشك كاليقين
ومن المعلوم أن أنواع القتل عند جمهور العلماء ثلاثة : عمد ، وشبه العمد، وخطأ ، وانعقد الإجماع بأن القتل العمد من الإرث مطلقاً . قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير ورثاه وهو رأي الخوارج .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى : وأما الوارث إذا قتل مورثه عمداً فإنه لا يرث شيئاً من ماله ولا ديته باتفاق الأئمة .
وقال ابن عبد البر في التمهيد : وأجمع أهل العلم على القاتل عمداً لا يرث شيئاً من مال المقتول ولا من ديته ، وفي الاستذكار له : وهو عند الجميع من العلماء قديماً وحديثاً لا خلاف في ذلك (أي منع الإرث عن القاتل عمداً) .
وقال القرطبي في تفسيره : ولا خلاف بين العلماء أنه لا يرث قاتل العمد من الدية ولا من المال فرقة شذت عند الجمهور كلهم أهل بدع .
وموجب هذا الإجماع تظافر الأدلة بمنع القاتل من الميراث منها : حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ليس لقاتل شيء" والمعروف بحديث المدلجي ، وفي الرواية الأخرى المفسرة "ليس لقاتل ميراث" ، وحديث عمرو بن شعيب "ليس للقاتل شيء فإن لم يكن له وارث يرثه أقرب الناس إليه ولا يرث القاتل شيئاً" ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه "القاتل لا يرث" ، وهذه الأحاديث منها ما هو في الموطأ ومنها ما هو عند أصحاب السنن كأبي داود وابن ماجة والنسائي.
ومنها ما هو عند الدارقطني والبيهقي في سننهما ، وهذه الأحاديث في جملتها لا تخلو من ضعف في أسانيدها إلا أن بعضها ، يشد بعضا ، ولها من الطرق ما يقوي بعضها بعضاً ، وانعقد الإجماع على الأخذ بها في القتل العمد وانسحب عليه القتل شبه العمد ، بجامع القصد وغلبه الظن وسداً للذريعة الموصلة إلى القتل لطلب الميراث ، ومن ثم كان الخلاف بين العلماء في القتل الخطأ خاصة .