المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل لا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد . . .
فإن عقد النكاح من أهم العقود وأعظمها خطراً ، وأكثرها فائدة ، ليس لطرفي العقد وهما الزوجان فحسب ، بل لسائر المجتمع ، بل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ليكثر عددها ويزداد سوادها ، فتقوى شوكتها ، ويهابها أعداؤها ، وتحقق لنبيها صلى الله عليه وسلم مباهاة الأمم يوم القيامة ، ولكي تستمر العشرة بين الزوجين، فتحصل الذرية بإذن الله ، وليتحقق ما سلف ذكره ، جعل الشارع لكل واحد من الزوجين حقوقاً على الآخر تلزمه بموجب العقد ، ومن أبرز تلك الحقوق حق الزوجة في المبيت .
ولأهمية هذا الحق ـ أعني حق المبيت في استمرار الحياة الزوجية على أحسن حال ، ولما حصل في وقتنا الحاضر من النكاح مع شرط إسقاط حق المبيت وهو ما يسمى بـ"زواج المسيار" ، ولما يدور حول حكمه من كلام وتساؤل كثير ، أحببت مستعيناً بالله تعالى أن أدلي بدلوي في هذه المسألة ببحث فقهي مؤصل قائم على أقوال الفقهاء في ذلك بعد أشار عليّ بطَرقِهِ بعض المشايخ وطلاب العلم ، وقد عنونت له بـ"حق الزوجة في المبيت وشرط إسقاطه" .
وقد سلكت في بحث الموضوع المنهج العلمي المتعارف عليه ، فذكرت أقوال أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة مع ذكر أقوال التابعين في المواضع التي رأيت أهمية ذكرها فيها ، وقدمتها ـ أعني الأقوال ـ ثم أتبعتها بالأدلة ، ورتبتها حسب ما ظهر لي من قوّتها ، فقدمت القول القوي وأخرت الضعيف ، ورتبت أصحاب كل قول ترتيباً زمنياً ، معتمداً في التوثيق على أمهات مصادر كل مذهب ، وقد قدمت الأدلة من كتاب الله تعالى ، ثم من السنة ، ثم من المعقول ، وأتبعت كل دليل بما يتعلق به من مناقشة وإجابة عليها ، مع عزو الآيات إلى مواضعها من كتاب الله ، وتخريج الأحاديث والآثار من كتبها المعروفة مع الحكم على ما لم يرد في الصحيحين أو أحدهما من خلال كلام أهل العلم ، وترجمت لما سوى الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة بتراجم موجزة .