تميز القضاء في الإسلام بخصائص ومبادئ تدل على الكمال ، وتحقيق المقاصد المطلوبة من الفصل في النزاعات ، والقضايا على أكمل الوجوه ، ومن المبادئ التي يرتكز عليها القضاء مبدأ سرعة الفصل في النزاع ، وعدم جواز التأخير بلا مُسوغ شرعي ، ونشير بإيجاز إلى هذا المبدأ في العرض التالي المتضمن المحاور الآتية :
المحور الأول :
من الأسس المقررة في علم القضاء الشرعي ضرورة الإسراع في البت والحكم في القضية المعروضة، وعدم التريث في إصدار الحكم ، إلا إذا كان هناك ما يدعو للتأخير ، ومن القواعد المقررة : "وجوب إصدار الحكم عند استكمال القاضي سماع كلام الخصمين ، وحججهما ، ودفوعهما . . "
وإذا رُمنا أدلة هذا المبدأ فهي تنحصر في المنقول ، والمعقول .
فأما المنقول فقد دل على هذا المبدأ الكتاب ، والسنة ، وأقوال الصحابة :
فمن الكتاب : فهناك الآيات الكثيرة التي تدل على وجوب الحكم بين الناس ، ومن ذلك قوله تعالى : (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) وقوله: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) .
فهاتان الآيتان وأمثالهما تدلان على وجوب الحكم بين الناس بما أنزل الله ، والأمر المطلق يقتضي الفورية ، وعدم التأخير إلا بسبب شرعي .
وأما السنة : فقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له بنحو ما أسمع منه ، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من نار" .
فق بين أن الحكم يكون على ما يستكمله القاضي من كلام الخصمين وحججهما ، ودفوعهما مباشرة ، بلا تأخير ، وهذا هو الذي كان عليه القضاء في عهد النبي الله ، وعهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم .
وأما من أقوال الصحابة :
فقد جاء في رسالة عمر رضي الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه ،وهو أمير بالشام : "أما بعد فإني كتبت إليك في القضاء بكتاب لم آلك فيه ونفسي خيراً ، فالزم خصالاً يسلم دينك ، وتأخذ بأفضل حظك عليك ، إ/ذا حضر الخصمان فالبينة العدول ، والإيمان القاطعة ، أدن الضعيف حتى يجترئ قلبه وينبسط لسانه ، وتعاهد الغريب فإنه إن طال حبسه ترك حقه ، وانطلق إلى أهله ، وإنما أبطل حقه من لم يرفع به رأساً ، واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء" .