· أهمية الموضوع وسبب اختياره :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :
فإن التفقه في الدين مطلب يسعى إليه كل طالب علم ، وهو تفقه عام وشامل لكل ما جاء به الدين الإسلامي من علوم ومعارف لا غنى للمسلم عنها في عبادته ، ومعاملاته ، وشؤون حياته كلها .
والمعاملات الشرعية علم مستقل بذاته ، يهدف إلى تنظيم التعامل في الأموال تنظيماً يضمن سلامة هذا التعامل ، وفق التشريع الإسلامي ، الذي يحقق منهجاً سليماً للفرد والمجتمع في المعاملات المالية على اختلاف أنواعها .
ولما كان المسلم بحاجة إلى ضمان حقوقه لدى الآخرين ـ في حال عدم توافر الثقة بين العاقدين ـ فقد شرع الرهن إلى توثقة للدين الذي في ذمة المدين .
والرهن عين مباحة الانتفاع من الراهن والمرتهن ، إذا كان الانتفاع مأذوناً فيه ، على وجه لا يضر بأحدهما ولا يفوت الغرض الذي من أجله شرع الرهن .
والرهن عقد من عقود التوثيق ، التي يضمن بها الدائن حقه عند المدين .
ولما كانت العين المرهونة في يد الراهن بصفته المالك لها ، فالانتفاع بها أثر من آثار تلك الملكية ، وحيث إن الانتفاع قد ينقص من قيمتها أو يتلفها على المرتهن ، فقد ذكر الفقهاء حكم هذا الانتفاع مفصلاً في بابه ، وهذا مجال البحث في هذا الموضوع الذي سميته "انتفاع الراهن بالرهن وأثره" .
ويمكن إجمال أسباب اختيار هذا الموضوع فيما يلي :
1- أهمية عقود التوثيق عامة ، وعقد الرهن خاصة ، لكون الحق فيه دائراً بين الراهن والمرتهن ، ولكل منها حق في الانتفاع .
2- حبس العين المرهونة عن التصرف مدة الدين أمر يورث شبهة في حكم انتفاع مالكها بها ، مما يجعل تصرف الراهن فيها قاصراً ومفتقراً إلى إذن المرتهن .
3- يكثر التساؤل عن حكم الرهن بعد انتفاع الراهن ، خاصة إذا كان الانتفاع مؤثراً على العين المرهونة ، بنقص قيمتها ، أو تلفها فيتضرر المرتهن بهذا الانتفاع .