مجلة العدل


اشتراط عدم الإنجاب في عقد النكاح./ د.عبد الله بن فهد بن إبراهيم الحيد. طباعة

د.عبد الله بن فهد بن إبراهيم الحيد عضو هيئة التدريس بكلية الثقافة الإسلامية [ كلية التربية بجامعة الملك سعود ]

المقدمـة
     إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين , وسلم تسليماً كثيراً .
     أما بعد فقد شَرَعَ الإسلام النكاح ، فأمر به ورغَّب فيه ، وبيَّن أهميته ومنافعه ، قال تعالى : ( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ...) (1)، وقال عز وجل : ( وَأَنكِحُواْ الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُم ) ( 2) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم  : ( يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج...) متفق عليه  (3) ، وفي الحديث الآخر يقول  صلى الله عليه وسلم  : ( الدنيا كلها متاع , وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة )(4) ؛ ولهذا أجمع المسلمون على مشروعية النكاح  (5) .
والنكاح له أهمية كبيرة ، ومكانة عظيمة في حياة الأفراد والمجتمعات والأمم ؛ إذ أن الزوجية هي سُنَّة الخلق في الإنسان وغيره من المخلوقات ،كما قال تعالى: ( وَمِن كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(6) ، والنكاح هو أصل الأسرة وعمادها الثابت ، وهو علاقة وثيقة وسامية بين الرجل والمرأة تليق برقي الإنسان وكرامته ، كذلك فإن النكاح الشرعي يلبي حاجات الإنسان الفطرية والاجتماعية والجسمية ، ويحقق مصالح عظيمة ومنافع كبيرة ، ومن أهمها :
1 - إشباع الجوانب الفطرية والاجتماعية المتمثلة في المحبة والرحمة والأنس ، والسكون العاطفي والنفسي .
2 - الأجر والثواب الجزيل لاتباع سنة النكاح التي هي من سُنن المرسلين ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ) (7) .

3-  تحصيل الشهوة الغريزية واللذة والاستمتاع عن طريقٍ مشروع  (8).
 4 - أن الزواج خيرُ طريق لإيجاد الأولاد الصالحين ، وحفظ نسل الأمة وتكثيرها في الدنيا والآخرة .
     ولهذا أمر الإسلام بالنكاح ؛ لأنه وسيلة إلى مقصود شرعي عظيم ، وهو المحافظة على النسل وإنجاب الأولاد الصالحين ، كذلك رغَّب الإسلام في إنجاب الأولاد والسعي في تحصيلهم ؛ لما يترتب على ذلك من الأجر الكبير ، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من  ثلاثةٍ : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) (9) .
     بل حث الإسلام على تكثير النسل ؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالزواج ، وينهى عن التبتل ، ويقول : ( تزوجوا الودود  الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )(10).
 
           ومع ذلك فقد ظهر في هذا العصر رغبة بعض الأزواج في النكاح مع عدم الإنجاب ، وبالفعل تم الاتفاق بين بعضهم على ذلك ، ونشأت عقود نكاح وأُبرمت على اشتراط عدم إنجاب الزوجة ، فكانت الحاجة ماسة لبحث حكم هذه المسألة .

 


 
Thursday, April 25, 2024 


جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة العدل