مجلة العدل


إقامة البينة بعد اليمين،صورها وأحكامها ( دراسة مقارنة )./د.سعد بن عمر الخراشي طباعة

د.سعد بن عمر الخراشي [ عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء ]


المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونـعوذ بالله مـن شـرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
أما بعد :
   فإن الحكم القضائي نتاج سماع القاضي لدعوى المدعي ودفع المدعى عليه وما صاحبهما  من تقديم البينات والطعن فيها - إن كان ثَمَّ طعن - , ولا شك أن مرحلة الإثبات هي أهم مراحل التقاضي ؛ إذ من خلالها تتكون عند القاضي قناعته الراسخة فيما يُعرض عليه من بينات ودفوع , وبعد ذلك متى استبانت له الطريق , وظهر له الحق أعلن حكمه القضائي أمام الخصوم في الواقعة التي ينظرها.
   وتعتبر اليمين من أهم طرق الإثبات التي يلجأ إليها الخصوم، إلا أن طبيعتها تخالف غيرها من طرق الإثبات كالشهادة والكتابة ؛ إذ إن المدعي عادة ما يقدم الدليل على صدق دعواه ، كشهادة شهود، أو مستندات كتابية، أو قرائن وما شابه ذلك , وأما اليمين وتحليف الخصم فهو احتكام إجباري - لمن يفتقد الحجة ويعوزه الدليل - إلى ذمة وديانة خصمه لعله أن يقر , أو لا يحلف كذباً وغموساً ليقتطع بهذه اليمين الفاجرة مال أخيه , ولهذا يقال : اليمين دليل من لا دليل عنده .
   وبهذا التصور يظهر مدى المجازفة التي يلجئ إليها من ركن وأرتضى يمين خصمه ، واحتمالية خسارته لدعواه بشكل كبير إن حلف خصمه , وإن كان هناك ثمة احتمال أن يرد من وجهت إليه اليمين اليمين إلى المدعي لإنه حلف، فإنه حينئذ يكون قد كسب القضية بدعواه ويمينه ؛ ولهذا ذهب القانونيون إلى أن اليمين وإن كانت طبيعتها تبقى مغايره لغيرها من طرق  الإثبات، وأنها ليست دليلا بالمعنى الكامل من جهة طبيعة الأدلة، وفي اعتقادي أن هذا الكلام يشوبه شيء من الصحه  , فالحنفية على سبيل المثال يرون أن اليمين شُرعت للدفع لا للاستحقاق (  1 ) , وهي – أي - اليمين لا تجاوز المال أو ما يقصد منه المال عند جمع من الفقهاء , ولا تتوجه فـي العبـادات ولا الحـدود ولا جـرائم القـتل عند آخرين (  2 ) وهـي من جـهة القـوة دون البينة  ( 3  ).
    ويترتب على ما سبق من نزول رتبة اليمين: أنها لا تقطع النزاع قطعاً تاماً ولا تنهيه ولا تبرئ الذمة .
    ولما كانت بعض الدعاوى تنتهي في أروقة المحاكم بأداء اليمين، وربما عثر صاحب المصلحة بعد ذلك على ما يثبت صدقه، من شهادة وكتابة وغيرهما، وأن اليمين التي حُلفت من قبل كانت فاجرة , ولاختلاف الرأي الفقهي بوجه عام عن الوجهة القانونية التي ترى أن توجيه اليمين يقتضي التنازل عما عداها من البينات ؛ ولأن هذه المسألة لم تعط حقها – فيما أعلم - من البحث المقارن فقهاً ونظاماً ومعالجة جميع صورها , إذ هي متعددة الصور , مختلفة الأحكام ؛ لذا عزمت الكتابة في هذه المسألة المهمة، فجمعت المسائل المتعلقة بالبحث وما شابهها وقاربها ، مستمداً العون والتوفيق من المولى العزيز، وسميت هذا البحث ( إقامة البينة بعد اليمين صورها وأحكامها " دراسة مقارنة " ) .         

 

 

 

 

 


                               

 


 
Wednesday, April 24, 2024 


جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة العدل