حجية الإثبات بالإقرار في النظام السعودي |
د. محمد محمد أحمد سويلم
أستاذ القانون الخاص المساعد بقسم الأنظمة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالإحساء جامعة الإمام محمد بن سعود |
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد،، فإنه مما لا يدع مجالاً للشك أن من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يلم بها القانونيون هي مسائل الإثبات وقواعده، ولذا فإن فهم قواعد الإثبات هو بداية الطريق للعمل القانوني الجيد والفعال، وهو الموصل إلى حفظ الحقوق من الضياع، ورد المظالم إلى أصحابها. فبغير دليل وإثبات يصبح الحق بلا قوة تحميه. ولا يخفى على بصير طبيعة النفس البشرية التي تميل إلى الشهوات، وحب المال والطمع فيما عند الناس، مما ينتج عنه الكثير من الخلافات والمنازعات التي تحتاج إلى الفصل فيها ليأخذ كل صاحب حق حقه، وهنا يبرز دور الدليل من خلال الإثبات ليستطيع كل صاحب حق إقامة الدليل على وجود حقه متسلحا في ذلك بسلاح التقوى، لأن القاضي في النهاية بشر، ولا يحكم إلا بما يتوفر لديه من أدلة وبراهين، ولذا يحذرنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من أكل أموال الناس بالباطل من خلال تضليل العدالة بأدلة واهية، أو فصاحة في القول، ففي حديث أم سلمة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار). ومن هذا الحديث نستوضح قوة الإثبات وحجيته فلا يملك القاضي أمام الدليل والإثباتات إلا أن يحكم بما تشير إليه طالما أن هذا الدليل حجة يعترف بها القانون فصاحب الحق الذي لا يملك دليلا على حقه يصبح حقه هذا هو والعدم سواء، فكم من حقوق ضاعت وأموال سلبت لأن أصحابها عجزوا عن إثبات حقوقهم وإقامة الدليل عليها. ومن أجل إقرار العدالة وإحقاق الحق، كان لابد من توافر جملة من الأسس للقضاء في الإسلام، منها: اعتماد القضاء على العقيدة والأخلاق، وذلك لتربية الضمير والوجدان، وتهذيب النفس، وإعداد الوازع الديني والخلقي المهيمن على سير الدعوى. وكذا كان لابد من وجود القضاء وضرورته في كل دولة، باعتباره من لوازم كل دولة، إذ العدل أساس الملك، بل ويستمد قوته من الدولة في التخاصم وإصدار الأحكام واستيفاء الحقوق، وكان لابد أخيراً من استقلال القضاء عن غيره من السلطات ليتحقق العدل بعيداً عن أية مؤثرات يمكن وجودها إذا ما اختلط أمر القضاء بغيره من السلطات. وبالتالي فإن مسألة الإثبات من أهم المسائل التي لا يمكن لصاحب دعوى أن يتركها فقبل أن تطالب بحقك أوجد الدليل عليه، وأقم الحجة على وجوده، وإلا فليس لك فيه من طلب، وليس لك إليه من غايه. وهذا ما يجعل من نظرية الإثبات أهم النظريات لدى القضاء، لأنها أكثر النظريات تطبيقاً في المحاكم، ويأتي على رأس أدلة الإثبات الإقرار، والذي يعتبر سيد الأدلة. |
|