مجلة علمية محكمة تعنى بنشر البحوث و الدراسات القضائية المعاصرة - تصدر عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية

القضاء بالشاهد الواحد من دون يمين

د. سعد بن عمر الخراشي الأستاذ المشارك بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء

أرشد الله سبحانه عباده عند اللجوء إلى حفظ الحقوق أن يسلكوا أهدى سبيل، وأقوم طريق، وأكمل نصاب، فقال سبحانه:(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) فإن لم يقدروا على اقواها انتقلوا إلى ما دونها (فرجل وامرأتان)، ولهذا كانت طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق، فإن القاضي تارة يحكم بالشاهدين أو بالشاهد والمرأتين، وقد يحكم بالشاهد واليمين، أو بالنكول تارة، وباليمين المردودة تارة أخرى وبشواهد الأحوال والقرائن في مواضع. كل ذلك بحسب كل واقعة وأدوات إثباتها. فطرق الحكم شيء، وطرق حفظ الحقوق شيء آخر، وليس بينهما تلازم، فتحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أن يحفظ به حقه، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ولا خطر على باله. ولما كان من المتعذر لأصحاب الحقوق في مواطن كثيرة إقامة النصاب على كماله لحفظ حقه؛ فقد جاءت الشريعة بتعدد الطرق التي يحكم بها الحاكم. ولما كان موضوع القضاء بالشاهد الواحد دون يمين من الموضوعات البالغة الأهمية لمن عمل في سلك القضاء، وشاهد من الوقائع القضائية ما كان دليل الإثبات فيها شهادة شاهد واحد عدل، وأيقن أن كثيراً من الحقوق قد لا يتيسر فيها النصاب الأكمل، وعلم أن رد هذه الشهادة يلزم منها مفسدة فوات الحقوق على الغير، وتعطيل الشهادة في محل الحاجة إليها، والشارع له تطلع إلى حفظ الحقوق على مستحقيها بكل طريق وعدم إضاعتها، فكيف يبطل حقاً قد شهد به عدل مرضي مقبول الشهادة؟ فلما تقدم ذكره استعنت بالله في بحث هذا الموضوع وجمع شتاته وسميته: (القضاء بالشاهد الواحد من دون يمين).