الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فإن التبرع بأنواعه المختلفة مالاً أو منفعة من الخير والمعروف الذي حث عليه الإسلام ووردت فيه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة من ذلك قوله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ( ) , وقوله سبحانه : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( ).
فللمسلم أن يتبرع بماله في الهبة والعتق والصدقات وسائر أنواع التبرعات لأجل الحصول على الأجر والثواب له بعد موته , وهذا لا غبار عليه إذا كان الرجل في حالة الصحة .
وأما إذا كان في حالة مرض يخاف منه الموت , فقد نص الفقهاء ( ) على أنه يحجر عليه في التبرع بجزء من ماله , فلا يجوز له أن يتبرع إلا بالثلث من أمواله فما دونه , وأما ما زاد على الثلث فلا ؛ وذلك رعاية لحق الورثة في التركة , فإنه في هذه الحالة يكون للورثة حق في المال كما قال الصديق رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه لعائشة رضي الله عنها : إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقاً بالعالية , وإنك لم تكوني حزتيه ولا قبضتيه , وإنما هو اليوم مال الوارث ( ). فأضاف رضي الله عنه المال إلى الوارث , وأبان أن هبته في المرض لوارثه غير جائزة , وذلك بحضرة الصحابة من غير نكير من أحد عليه ( ).
وقال ابن تيمية رحمه الله : (ويملك الورثة أن يحجروا على المريض إذا اتهموه بأنه تبرع بما زاد على الثلث , مثل أن يتصدق ويهب ويحابي ولا يحسب ذلك)( ).
|