مجلة علمية محكمة تعنى بنشر البحوث و الدراسات القضائية المعاصرة - تصدر عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية

عجز الثلث عن التبرعات المنجزة في مرض الموت

د. عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد : فإن التبرع بأنواعه المختلفة مالاً أو منفعة من الخير والمعروف الذي حث عليه الإسلام ووردت فيه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة من ذلك قوله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ( ) , وقوله سبحانه : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( ). فللمسلم أن يتبرع بماله في الهبة والعتق والصدقات وسائر أنواع التبرعات لأجل الحصول على الأجر والثواب له بعد موته , وهذا لا غبار عليه إذا كان الرجل في حالة الصحة . وأما إذا كان في حالة مرض يخاف منه الموت , فقد نص الفقهاء ( ) على أنه يحجر عليه في التبرع بجزء من ماله , فلا يجوز له أن يتبرع إلا بالثلث من أمواله فما دونه , وأما ما زاد على الثلث فلا ؛ وذلك رعاية لحق الورثة في التركة , فإنه في هذه الحالة يكون للورثة حق في المال كما قال الصديق رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه لعائشة رضي الله عنها : إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقاً بالعالية , وإنك لم تكوني حزتيه ولا قبضتيه , وإنما هو اليوم مال الوارث ( ). فأضاف رضي الله عنه المال إلى الوارث , وأبان أن هبته في المرض لوارثه غير جائزة , وذلك بحضرة الصحابة من غير نكير من أحد عليه ( ). وقال ابن تيمية رحمه الله : (ويملك الورثة أن يحجروا على المريض إذا اتهموه بأنه تبرع بما زاد على الثلث , مثل أن يتصدق ويهب ويحابي ولا يحسب ذلك)( ).