مجلة علمية محكمة تعنى بنشر البحوث و الدراسات القضائية المعاصرة - تصدر عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية

أحكام اغتصاب المرأة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

د. عقيل بن عبدالرحمن العقيل الأستاذ المشارك بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء

المـقدمـة : أولاً: توطئة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فإن من الملاحظ لذوي العقول النيرة، والأفكار السديدة: أن هذا العصر الذي نعيشه قد أخذ يفقد بالتدريج لذة الحياة السعيدة، ويفقد الأمن والأمان، ويفقد الدفء والطمأنينة من القلب البشري، فحياة الفرد المعاصر لم تعد تعرف الارتباطات العائلية، والواجبات الاجتماعية، والأمن والاستقرار كما كانت من قبل، ولم يعد الإنسان يشعر نحو جوارحه بذلك الشعور الذي كان سائدا، كما أن روابط الأسرة لم تعد كما كانت من قبل ؛ بل إنها اليوم فقدت الكثير من مقوماتها. وإذا كانت الغريزة الجنسية قد فطرت في نفس الإنسان على حب اللذة والشهوة، فإن الله - تبارك وتعالى - قد بين للإنسان الطريق القويمة لإشباع تلك الشهوات، وتحقيق تلك الرغبات التي جبل عليها، كحب المال والبنين والنساء. ثم إن الغريزة الجنسية لدى الإنسان لم تترك له مطلقة ؛ بل هي من الأمور التي سعى الإسلام إلى تنظيمها، وتوجيهها الوجهة الصحيحة ؛ انطلاقا من حق الإنسان في إشباع غريزته الجنسية من جهة، وصيانة للأعراض مما يدنسها وحماية للأنساب من الضياع والاختلاط، وحماية للشرف والعزة والكرامة أن تمتهن أو تدنس من جهة أخرى، وهو ما يعبر عنه في الفقه الإسلامي بالمصلحة المعتبرة شرعا . ولما كان الإسلام قد أوجد السبيل القويم لوجهة الغريزة الجنسية وأوضحها وحدد لها ضوابطها، فقد حرم ما عدا ذلك ومنه الزنا بالاتفاق أو بالإكراه وهو الاغتصاب ونفر الناس منه(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 5 إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون : ٥ – ٧ . ولما كانت النفس الأمارة بالسوء قد تخضع لوساوس الشيطان وتنقاد له ، فتدفع بصاحبها إلى الانحراف عن الطريق السوية والانقياد وراء الشهوات والملذات ؛ حتى لو أدى ذلك إلى مخالفة أمر الله وتوجيهاته ، فيغتصب الأنثى ويستحق بذلك العقوبة المعجلة منها والمؤجلة.