مجلة علمية محكمة تعنى بنشر البحوث و الدراسات القضائية المعاصرة - تصدر عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية

إثبات الملاءة في دعوى الإعسار في الفقه و النظام. الدكتور / هشام بن عبد الملك آل الشيخ

الدكتور / هشام بن عبد الملك آل الشيخ [ الأستاذ المشارك بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء ]

مقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [سورة آل عمران، الآية: 102]،{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }[سورة النساء، الآية: 1]، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}.[سورة الأحزاب، الآيتان: 70-71]. أما بعد… فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ومن المعلوم أن دين الإسلام حث على إصال الحقوق إلى مستحقيها، وعدم أكل أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[سورة البقرة، الآية: 188]، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَطْل الْغَنِيّ ظُلْم)( ). ولقد وجد مع الأسف في هذا الزمان من يفرح إذا أخذ أو ظفر بحق أخيه، واعتبر ذلك ذكاءً ودهاءً وقوة، فليس المهم عنده أن هذا المال حرام أو حلال، ولكن المهم عنده أنه حصل عليه، فيلجأ إلى إستخراج صك إعسار حتى يفوت على أصحاب الحقوق أموالهم، فكان عبء إثبات الملاءة على كاهل المطالب بحقه، فيسعى لإبطال الاعسار حتى تعود الحقوق لأصحابها. ولقد تجددت طرق الإثبات في هذا الزمن فأصبح من السهل معرفة ملاءة أي شخص، إلا أن المعلومات الائتمانية غير متاح الإفصاح بها لكل أحد وفق قوانين وأنظمة مرعية تتيح للقاضي فقط العلم بها. ولما لهذا الموضوع من أهمية بالغة، استعنت بالله تعالى ورأيت أن أشارك فيه بكتابة بحث جعلت عنوانه: (إثبات الملاءة في دعوى الإعسار في الفقه والنظام). وقد جعلت البحث في مقدمة، وتمهيد، وأربعة مباحث.