مجلة علمية محكمة تعنى بنشر البحوث و الدراسات القضائية المعاصرة - تصدر عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية

سلطة القاضي التقديرية في اليمين القضائية. / د. سعد بن عمر الخراشي

الدكتور / سعد بن عمر الخراشي [ عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء ]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد فإن طبيعة العمل القضائي كغيره من الأعمال التي تخضع للأحكام والأنظمة , تارة يكون العمل فيها مقيدا تحدد فيه الحالات والإجراءات والشروط وما شابهها في حدود وقواعد وأحكام معينة منصوص عليها , فلا يسع القاضي أمام هذا التقييد إلا تنفيذها كما نص عليها وعدم مخالفتها أو تجاوزها , وهذا ما يعبر عنه بالخضوع للسلطة المقيدة , وتارة أخرى يتاح للقاضي حيز من الحرية يمارس من خلاله سلطته التقديرية ؛ ينشأ هذا الحيز وهذه السلطة من نصوص صريحة فقهية , أو نظامية , أو عندما تنتفي القواعد والأحكام والنظم التي تحد من تلك السلطة في ممارسة عملها القضائي . والناظر في طبيعة القضاء في الإسلام يجد أنه قضاء جُمع فيه بين التقييد والحرية , فهو في جوانب منه مقيد وفي أخرى حر , وهذا ما يعبر عنه في المصطلحات القضائية الحديثة بالمذهب القضائي المختلط . فيه ثبات واستقرار ومرونة ومقاربة بين الحقيقتين القضائية والواقعية مع فسح المجال للقاضي في ممارسة سلطته التقديرية المنضبطة وفقا للأحوال والوقائع, وعلى هذا النهج يسير القضاء في المملكة العربية السعودية . والسلطة التقديرية في القضاء السعودي مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معهما . ونتيجة لذلك يمكننا القول أن السلطة التقديرية في القضاء السعودي سلطة منضبطة ملتزمة بأحكام الشريعة وقواعدها , وما اشتملت عليه من مقاصد عظيمة , ومصالح جليلة . وإذا أردنا أن نسلط الضوء على مجالات السلطة التقديرية في المجال القضائي فإن طرق الإثبات و اليمين القضائية على وجه الخصوص ميدان رحب , وفضاء واسع يمارس فيه القاضي تلك السلطة ؛ ولأهمية مثل هذه المواضيع فقد رأيت أن أكتب في (( سلطة القاضي التقديرية في اليمين القضائية )) , ليكون مجال البحث والنظر بحيث تجتمع فيه الدراسة الفقهية مع الدراسة النظامية ؛ ليسهم هذا الموضوع في تعزيز الدراسات القضائية المتخصصة والمؤصلة , وقد انتظمت خطة هذا البحث في العناصر الآتية :